قادر ديلان موسيقار كردي لن يطويه النسيان

المقاله تحت باب  في الموسيقى والغناء
في 
24/02/2010 06:00 AM
GMT



أول مرة التقيت الموسيقار الكردي قادر ديلان في مؤتمرنا الثاني (رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين) الذي عقدناه في دمشق عام 1985 وكان قادر ديلان أحد الحاضرين.

قادر ديلان ..
تراه هادئا متميزا شفافا يحضر جلسات المؤتمر، مستمعا أكثر منه متحدثا. نظارته معلقة بخيطين في رقبته للقراءة، وأخرى على عينيه للنظر. رشيق واضح الملامح، في صوته بحة خفيفة ولكنته كردية جميلة تسمعها عربية وتحسها كردية، يمشي مثل عبد الكريم قاسم حيث لا تحس انه يمشي على الأرض، كأنه ملاك يسير فوق السحاب. كان يرتدي قميصا أبيض فيه خطوط طولية حمر وبنطالاً أسود يوم إلتقيته. جلسنا في غرفتي بالفندق، وجلب معه موسيقى مسجلة في كاسيت وبدأنا نستمع إلى موسيقاه. موهبة نادرة وموسيقى ذات طابع سيمفوني تتداخل فيها الآلات وتأخذك بعيدا، وكلها مستوحاة من أجواء الوطن وحياة الكرد والجبال ومفعمة بروح الأمل وكأنه يحلق مع الشعب الكردي في موسيقاه بأجواء حالمة .. كأنه يأخذ الكرد نحو السعادة المنتظرة.
في أوائل التسعينيات وكنت أقيم في أثينا باليونان وعندما كلفت بإخراج فيلم يحمل عنوان (ليلى العامرية) قررت ان يكون قادر ديلان هو مؤلف موسيقى الفيلم. شاهد الفيلم وكتب ملاحظاته، وعاد إلى براغ وبدأ يكتب الألحان وعندما أنجز العمل كتابة دعاني للحضور إلى براغ لكي أستمع.  سافرت إلى براغ. دخلت داره. كان يعيش ومعه إبنه. وقد وجدت في صالة الدار ملصقا كبيرا وعليه صورة لفرقة سيمفونية وعلى عرض الملصق كلمة (ديلان) بالروسية. كنت أظن أنه ملصق لحفلة خاصة به قدمها في الاتحاد السوفيتي. فأخبرني انها فرقة موسيقية روسية سميت باسمه اعتزازا وإعجابا بموسيقاه، فاندهشت والروس معروفون بالذوق الموسيقي والبالية وليس سهلا أن يطلقوا اسم ديلان على فرقة موسيقية إلا إذا كانت الموسيقى والموسيقار قد بلغا القمة.
كنا نبحث عن فرقة موسيقية تستطيع عزف موسيقى الفيلم بطريقة عالية المستوى فاخبرني أن النظام الشيوعي الذي سقط قد ترك الموسيقيين الجيك من دون عمل وصارت دار الأوبرا الجيكية مهجورة ونستطيع أن نتفق معهم على العزف. وفعلا نجحنا في أن نتعاقد مع فرقة سيمفونية تابعة لدار الأوبرا في براغ وقمنا بتسجيل الموسيقى في ستوديو الدار. حققنا تسجيل موسيقى سيمفونية مستوحاة من روح الشرق. جلسنا بعد أن أنجزنا العمل. كان حزينا .. سألته .. ما بك يا قادر. قال إنني أحزن كلما أنجزت عملا. قلت له لماذا .. قال لأن العمل الذي يليه قد لا يأتي. أنا أكتب ويصعب علي تسجيل الموسيقى .. الموسيقى تحتاج إلى مال مثل السينما. ان الموسيقى التي أكتبها تبقى على الورق. سألته كم عمرك .. قال في الستين وأتمنى لو كنت في الخمسين أو حتى في التاسعة والخمسين لأن عاما واحدا هو أيضا أحتاج إليه. الدمعة في عينيه تكاد تسترخي فترتد، بعد بضعة سنوات، رحل قادر ديلان بصمت ومن دون وداع، الشعوب لن تنسى مبدعيها .. مطلوب جمع تراث قادر ديلان الموسيقي وجمع مدوناته الموسيقية ونوتاته وعزفها، الشعب الكردي عرف بوفائه، ولذلك أعتقد جازما أن قادر ديلان لن يطويه النسيان.